مقالات

العالم يغرق في مستنقع الأنانية والعنصرية الجزء الثاني

بقلم: محمد أمين المصري-

لم يهنأ الأمريكيون بالاستفراد بـ”آدم”، إذ طلبت دول أخري الاستفادة من إمكاناته الحيوية المفعمة بالطاقة الكامنة لإعادة التناسل للبشر، حتى إن جهات دولية طلبت أن يصبح إنسانًا كونيًا، على أن يكون تحت رعاية الأمم المتحدة مباشرة، لتتولى عملية تقنين توزيع التلقيح الصناعي على الدول الأخرى، استنادًا إلى تذرع كل دولة بحقها في التلقيح.

وتم اختيار الصحفي “ستيف” للعمل في المؤسسة القومية لإعادة الإخصاب باعتباره صديقًا لـ”آدم”، وأنه هو الذي قدمه للأمريكيين، فمن خلال مقالاته تعرفوا عليه، وأدركوا سره الذي بات كـ”البيضة الذهبية” ومستقبل بقاء البشرية وعدم فنائها. فـ”دم” هو الرجل المخصب الوحيد والأخير، وعلى “ستيف” أن يكون مرشده إلى الطريق الصواب.

في الوقت نفسه، كشف “هومر آدم” لصديقه ستيف، جانبًا من حياته طفلًا، إذ كان خجولًا جدًا بسبب طوله المفرط، وضمور جسمه، لهذا لم يجد لديه الجرأة ليغازل فتاة، فقد خلت صفحة حياته من الغزل والحب. فهو خجول يتسم بحيائه وعفته الجنسية، كأنما حرم على نفسه معاشرة النساء تحريما باتًا، حتى جاء الوقت الذي طلبوا فيه منه أن يكون أبًا لكل أبناء بلده.. ربما هذا الأمر مغرٍ ومرضٍ لأنانية نفر من الرجال الذين يودون الاستئثار بتملك نساء البلاد جميعهن، غير أن هذا الأمر يفزع “آدم”، ويدفع به إلى الانهيار النفسي، حتى أصبح يشعر بالوحدة، وهو مقيد الحرية في فندق شورهام بواشنطن، حيث يعيش حياته كالسجين برغم كل مظاهر الرفاهية والنعيم.

لقد شبَّه “آدم” نفسه بعارض الأزياء حين يخطو متنقلًا بين ردهات واشنطن تتبعه الأعين، وحين أراد “ستيف” أن يخفف عن “آدم” بعض عذاباته من الوحدة والعزلة وابتعاده عن أسرته، اصطحبه إلى مقهي قريب من الفندق فهجمت عليه كل السيدات، وقد ملأتهن روح الأنوثة الصارخة التي بدت واضحة للعيان في حين انصرف عنه الرجال. وسأل “آدم” “ستيف”: ما خطبهن؟ رد: إنهن يردن إنجاب أطفال!

وتسرد رواية “السيد آدم”: أنه في هذه الأثناء، حاول الروس إيهام الأمريكيين بأنهم عثروا على شخصين مغوليين لم يتعرضا لأشعة انفجار “المسيسبي”، حيث كانا في جوف أحد المناجم هناك، لتتفاقم مخاوف الأمريكيين من الخبر، فقدرة رجلين على الإنجاب عبر التلقيح الصناعي ضعف قدرة رجل واحد، وهذا يعني أن زيادة المواليد في روسيا ستفوق نظيرتها في الولايات المتحدة، وبالتالى يتعين الإسراع في الأبحاث للوصول إلى استخدام حيوان منوي واحد في كل حالة من حالات التلقيح، حتى يتفوق الأمريكيون على الروس.

ومن هنا، توالت مناقشات الكونجرس الذي حذر أعضاؤه من شكل العالم، وقد أصبح مغوليًا كله، وازداد فيه عدد الشيوعيين. وفي ظل استمرار الأزمة، لم تفعل الدولة أي شئ للاستفادة من “آدم” حتى الآن، بينما الموت يحصد الكثيرين، ومشروع الإخصاب لا يضيف مولودًا واحدًا للأمريكيين، وهكذا أصبح “آدم” الثروة الحيوية الوحيدة لكل الأمريكيين.

ثم تمضي أحداث الرواية: فتتزايد مطالبات البعض، ومنهم الصحفي “ستيف” بعدم معاملة “آدم” معاملة آبار البترول، فهي تنضب في نهاية الأمر، ولها طاقة إنتاج محددة لن تضخ برميلًا واحدًا بعدها، وأصحاب الآبار يدركون إمكاناتها، ويحافظون عليها حتى لا تجف، فتنهار ثروتهم، والثروة القومية. كذلك الوضع بالنسبة لـ”آدم”، فبقاء الجنس البشري رهن بالمحافظة على نسله، ومستقبل البشرية مضمون بتواصل توالده وتكاثره، وهو ما يستدعي الاستفادة من كل ما يملك “آدم” بصورة مقننة وعلمية دون إضرار به.

في مقابل هذا الرأي، كان هناك من يزايد على “آدم”، فالصحف تطالب الهيئة القومية لإعادة الإخصاب، بالحفاظ عليه وإبعاده عن زوجته، باعتباره ذخيرة حيوية وحيدة ذات طاقة محدودة، مؤكِدة أن على الحكومة من أجل أن ترعى حقوق الشعب وحقوق الإنسانية كلها، أن تحافظ على حياة “آدم” كما حافظت على موارد اليورانيوم عندما اعتبرت هذا المعدن مادة استراتيجية ثمينة وقتما شرعت في إنتاج القنبلة الذرية. فـ”آدم” الآن أثمن من اليورانيوم، ونحن لا نملك سوي “آدم” واحدا، ولدينا من اليورانيوم الكثير، وعلى الحكومة السهر على النهوض برسالتها في إغناء الأجيال القادمة والحفاظ على الجنس البشري.

واتهمت الصحف الحكومة بالفشل في حماية “آدم” من المتطفلين والممثلات اللاتي يحاولن الإيقاع به في حبائلهن والاستئثار بقدراته لهن وجماعاتهن فقط!

فقد نجحت الممثلة المشهورة “كاتي رايدل” في التغرير بـ”آدم” وإيهامه بأنها تحبه، لكنه اكتشف لاحقًا أنها تنتمي إلى هيئة علمية تريد أن يكون نسل “آدم” علميًا فقط وليس سواه، في سابقة أقلقت الأمريكيين، حتى إنهم ضاقوا ذرعًا بوجوده مع زوجته، فطلبوا إبعادها عنه، مراعاةً للمصلحة العامة! من جهتها، توصلت اللجان العلمية والحكومية إلى ضرورة الإسراع في إنتاج الحيوانات المنوية الخاصة بالتلقيح، والتفريق بين “آدم” وزوجته في ذاك الوقت، على أقل تقدير، حرصًا على صحته ومصلحة الوطن القومية.

والأمر هكذا، اتفقت اللجان على بدء الفحوصات الطبية، لكن المشكلة ظلت قائمة: من تكون صاحبة الحظ لتكون صاحب لقب “الأم الأولى”؟

من هنا، تم فحص آدم، وخرج الأطباء بنتيجة مفادها صلاحيته لتلقيح امرأة أو امرأتين أو ثلاث نساء كل أسبوع، ولكن إذا زاد وزنه عن الوزن الحالي، فيمكن زيادة عدد مرات التلقيح.

هكذا استعد الجميع لأن تشغل أخبار “آدم” العالم بأسره.

روح المؤامرة والتمييز العنصري

تسابقت الولايات الأمريكية المختلفة على من يكون لها السبق في عملية التلقيح لتبدأ في التناسل، وأن يكون لها الشرف في تقديم الأم الأولى في المشروع.

هنا، أُثيرت قضايا تتعلق بالجنس والعرق والدين والمركز الاجتماعي والاقتصادي، بينما ظلت مشكلة الزنوج مثارًا للقلق. وصرخت صحافة السود بأن البيض يسعون إلى القضاء على جنسهم وإفنائه من الوجود، وطالبت بنسبة عادلة من التخصيب خالية من التعصب والتحيز.

بينما رأى الكاثوليك أن هذه فرصة للقضاء على من دونهم من أصحاب الملل المسيحية، وطالبوا بضمانات من شأنها الحفاظ على حياتهم من الفناء والانقراض.

في ذلك الوقت، تباينت الطلبات بين السيدات، فأي واحدة تكون الأولي؟ المتزوجات أم العازبات؟ زوجات المحاربين لتحملهن مشقة غياب الأزواج في الحرب أم غيرهن؟ في حين أرادت مجندات الجيش أن يكن في المقدمة! ولم تهدأ الأمور، بل اندلعت أزمة بين الروس والأمريكيين، فالطرف الأول يرى أن من حق الأخيرين أن تكون الأم الأولى أمريكية، شريطة أن تكون الثانية روسية، ثم بريطانية، وهكذا، أما الدول الصغرى فلا يجوز النظر في أمرها إلا فيما بعد.

ومن جهتهم، طلب الروس منع دول معينة من التلقيح الصناعي. وبينما يدور هذا الجدل، رفض الروس الرد على تساؤلات الأمريكيين حول مدى صحة خبر الرجلين المغوليين، وكان جواب موسكو أن هذه المسألة من صميم الشؤون الداخلية للدولة. وربما نتذكر هنا حديث المؤامرات وقت انتشار فيروس “كورونا”، وتبادل أمريكا والصين الاتهامات بتخليق الفيروس ونشره على مستوى العالم، ثم مؤامرة السباق إلى اكتشاف اللقاح المعالج لـ”كوفيد 19″، وغيرها من المؤامرات الكثيرة التي انتشرت في هذه الآونة. في هذه الأثناء، أجرت الحكومة الأمريكية قرعة لاختيار السيدة الأولى للتلقيح، فكانت عضوة الكونجرس “سمنر فاي نوت”، صاحبة الحظ لتكون المرأة الأولي في الولايات المتحدة والعالم في التلقيح الصناعي، وهي التي سبق وهاجمت الحكومة والأمن الأمريكيين و”آدم” نفسه، باعتباره قد تخلى عن المسئولية الوطنية، وذهب ليضاجع ممثلة وامرأة أخرى لم تعلم “نوت” أنها زوجته، ولهذا غضب “آدم” بشدة ورفض أن تكون هذه المرأة البغيضة إحدى المخصبات منه!

في ذلك اليوم، أخذت الإذاعات تبث بشرى سارة بأنه تتم غدًا عملية تلقيح عضوة الكونجرس “سمنر فاي نوت” لتكون بعد تسعة أشهر مثلًا رائعًا للأنوثة الأمريكية، التي تحمل شعلة الأمومة العظيمة عالية.

“أيها السادة.. بعد تسعة أشهر ستحدث المعجزة (سيولد طفل)”.. هكذا كان فحوى نشرات أخبار الإذاعات المختلفة.

مفاجأة غير متوقعة

في اليوم المحدد لبدء التلقيح والإخصاب- كما تسرد الرواية- حدثت المفاجأة، إذ اختفى “آدم” من الفندق لتنقلب الدنيا رأسًا على عقب، وترك رسالة لصديقه الصحفي “ستيف” أبلغه فيها أنه سيتقدم باستقالته من المؤسسة القومية لإعادة الإخصاب وفقًا لما تخوله له مواد الدستور الأمريكي. من جهتها، قررت الشرطة الأمريكية مراقبة كل الطرق بين الولايات والمدن والضواحي بحثًا عن الهارب “آدم”، في وقت تصاعدت فيه حدة التلاسن بين الروس والأمريكيين، وكذلك الفرنسيين وغيرهم الذين خشوا استئثار الولايات المتحدة بـ”آدم”، وعدم إشراكهم في مشروع التخصيب.

في هذه الأثناء، اجتاحت الرئيس الأمريكي ثورة من الغضب ونوبة من الغيظ كادت تخرجه عن اتزانه ووقاره، وكذلك قيادات وزارة الدفاع، وتم إعطاء أجهزة الشرطة مهلة حتى منتصف الليل للعثور على “آدم”، في وقت ثارت فيه ثائرة “سمنر نوت فاي”، أول امرأة مرشحة للتخصيب، وخرجت عن شعورها كالعروس التي فر زوجها مع امرأة أخرى غيرها في ليلة زفافها!

في نهاية المطاف، تم العثور على “آدم” في منزل الدكتور “روت”، والد الممثلة “كاتي رايدل”، واكتشفت الشرطة أن الأب وابنته ضمن جماعة علمية متخصصة أرادت الاستئثار بآدم، وعدم تلقيحه للعامة للحفاظ على جينات العلماء فقط، والتخلص من غيرهم، فهم يمقتون الجنس البشري، ويودون القضاء عليه.

واكتشف “آدم” أنه كان ضحية “كاتي رايدل” وجماعتها العلمية، وأنها استغلته بحجة حبها لعلم الآثار الذي درسه، وليس حبا عاطفيًا كما أوحت له، لتستغله ليهرب معها وتفشل عملية الإخصاب القومية والاستئثار بإمكاناته للجماعة فقط، فكان هؤلاء العلماء مثل إخوان الشياطين الذين صنعوا انفجار “المسيسبي”، فأنزلوا العقم بجميع الرجال. فقد خططت الجماعة العلمية لاختطاف “آدم”، وقصر استخدامه على الطبقة المستنيرة ليعمروا العالم فيما بعد بنماذج رائعة من العلماء.

تأثر “آدم” مما حدث له على يد “كاتي رايدل”، التي شبهها ستيف بهتلر الذي أراد الحفاظ فقط على الجنس الآري دون غيره.

وكشف الدكتور “روت”، رئيس الجمعية العلمية للحاضرين، أن “آدم” معين لا ينضب وكنز ثمين، كان سيساعدهم في إجراء التجارب لأنه المورد الوحيد للإخصاب، وأنهم كانوا ينوون استعارته بضعة أيام فقط، لاعتقادهم أنه لو بدأ مشروع التلقيح الصناعي فلن يستطيعوا الاستفادة منه، وأنهم كانوا يستعدون لاكتشاف الوسيلة التي يستعيد بها الذكور قوة إخصابهم، وكيفية إنجاب الأفضل من الذكور والإناث، وإنتاج بشر يبلغون حد الكمال، وذلك على العكس من مشروع التلقيح الصناعي الذي كان سيخلط “الحابل بالنابل”.

بمجرد العثور على “آدم”، عاد الأمل لدى القائمين على المؤسسة القومية لإعادة الإخصاب، وأعلن البيت الأبيض تأخير المشروع 24 ساعة، لكن “آدم” أصر على عدم المشاركة في مشروع التخصيب.. “ليذهبوا جميعًا إلى الجحيم”.. هكذا قال فيما حاول “ستيف” إقناعه باستكمال المشروع، لكنه رفض، فقال له ستيف: “إن القدر قد اختارك ليكون لك معهن شأن عظيم”.

لكن “آدم” أعلن رفضه الذهاب إلى المعمل وإخضاع نفسه للتجارب التمهيدية، و”لتذهب النساء إلى الجحيم”، بحسب تعبيره؛ حتى إن الرئيس الأمريكي فشل في إقناعه – بعد لقاء بينهما – باستكمال مشروع التخصيب، فصعق الرئيس من موقفه، وبالتالي قرر تأجيل المشروع إلى أجل غير مسمى.

وتواصل الرواية السرد، قائلة: ثم قرر بعدها أن يتولى الجيش مسئولية حماية “آدم” كأنه سجين سياسي؛ فتحولت شخصية “آدم” بصورة تامة ليزيد من شرب الخمر، ويتبدل من أعماق نفسه، لكن قائد المنطقة الوسطى الذي وصل إلى الفندق لتولي حمايته أبلغه أن عهد الفوضى قد انتهى، وأن فترة العبث قد ولت، وما عليه سوى إطاعة الأوامر.

وداعًا لخصوبة آدم

تمر المواقف والأحداث سريعًا في الرواية حتى تحدث مفاجأة كبرى، إذ أذاعت إحدى المحطات أن مجلس الأبحاث القومية أبلغ الرئيس أن “آدم” قد أصيب بالعقم، حيث تعمد تعريض نفسه لأجهزة وآلات معينة كانت تنتج إشعاعات كتلك الإشعاعات التي أطلقت من عقالها في حادث انفجار المسيسبي، ليصاب بالعقم الكامل، لكن لحسن حظه لم يمت في الحال.

وعندما قابله لاحقًا، اعترف “آدم” لستيف أنه اتخذ قراره بنفسه، ولم يجبره أحد عليه، كما يشيع البعض، وقال له إنه كان بين خيارين: إما الانتحار أو أن يجعل نفسه عقيمًا حتى يتخلص من كل متاعبه، وتعود حياته الطبيعية مثل بقية البشر. انتهى العالم من موضوع آدم ليعود الحديث عن المغوليَيَن، وفي ساعات قليلة أصبح الرجلان الشغل الشاغل للشعب الأمريكي وبقية العالم باعتبارهما المنقذ الوحيد لبقاء البشرية وعدم فنائها.

بعد هذا الحادث، تحدث وزير الخارجية الأمريكي عن موقف بلاده من المغوليَيَن، مشيرًا إلى ثقة الولايات المتحدة في حسن سلوك الروس، ومطالبًا بأن تتولى الأمم المتحدة أمرهما باعتبارها منظمة عالمية تعمل لصالح الجنس البشري. ثم أخذ يعدد المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية إلى روسيا، وذكَّر الروس بقصة شراء ألاسكا منهم ليؤكد لهم أن العلاقات الودية كانت ولا تزال قائمة بين الدولتين. وقال: “جوهر الشيوعية يهدف إلى الصالح العام للإنسانية جمعاء، والرجلان المغوليان ليسا إلا مواطنين عالميين قبل أن يكونا روسيين”. لقد تبدل الموقف الأمريكي من للتعاون مع الروس بشأن “آدم” إلى استجداء الروس للاستفادة من قدرات الرجلين المغوليين، وهنا تتغلب المصالح الذاتية على مواقف الدول وليس مصلحة العالم أجمع بجميع دوله وسكانه.

ثم توالت أنباء من الصين تشير إلى أن المغوليَيَن قد يكونان من الصين وليسا من روسيا، وأن الصين تطلب إحالة الموضوع برمته إلى مجلس الأمن.. غير أنه بعد حديث الوزير الأمريكي بساعات، نفت الحكومة الروسية علمها بوجود هذين المغوليَيَن القادرين على الإخصاب، مشددةً على أن هذه القصة محض اختلاق من الدول الرأسمالية، وأنها حلقة جديدة من سلسلة المغامرات المعادية للشيوعية.

استقر “آدم” في منزله، وتأكد العالم من زيف قصة المغوليَيَن، وأخفق مجلس الأبحاث القومي، وأفلس مشروع إعادة الإخصاب، فأصبح الموقف داكن الظلمة، مثله مثل النشرة الحربية البريطانية في السابق ليوم موقعة “دونكيرك”، عندما قرر رئيس الوزراء البريطاني وقتها ونستون تشرشل سحب قواته قبل إبادتها هناك من قبل الألمان. هكذا، أصبح “لا جديد تحت الشمس”، بينما العالم ينحدر نحو الهاوية والنهاية، لكن الناس بدأوا يألفون ذلك، وانتشرت على ألسنتهم مقولة: “لا تكترث للدنيا”، إلا أن النساء أصبن بالاكتئاب وأصبحن أكثر حساسية عندما يمر كل يوم لا تشرق فيه طلعة طفل، خاصة أولئك اللاتي كن يقتربن من سن لن يسمح لهن بأن تشنف آذانهن أصوات الأطفال.. كما لم يعدن يهتممن بالموضة والجديد من الملابس.. فيما تم حل أزمة المساكن بمعجزة.

والأمر هكذا، بدأ كل أمريكي يضع لنفسه فلسفة جديدة، بعد أن أدرك الجميع أن القدر أنذرنا قبل الانفجار بأمد طويل، ولكن من منا ألقي بالا لهذا الإنذار؟ فالوضع أصبح “تهديدًا من السماء، وإنذارًا من القدر”، بتعبير كاتب الرواية. أصيبت مارج زوجة ستيف بحالة عصبية بلغت حد أن يصفها زوجها بأنها باتت تتصرف سلوكًا شاذًا، وأرجع هذا لصدمتها بعد مأساة “هومر آدم”، وربما تكون وقعت في غرامه بغض النظر عن كونها كانت تتوق لتكون أمًا ذات يوم.

ساءت طباع مارج وضاق صدرها حتى اعتقد ستيف أن هذا يعود لإحساسها بأنها ارتبطت للأبد بزيجة مجدبة. لكن المفاجأة أن مارج شعرت بأحاسيس المرأة الحامل، واكتشف الدكتور تومسون وصديقته الدكتورة مارية ذلك، وقاما بتهنئة ستيف لهذه المفاجأة السارة، لتكشف له مارج أن تومسون أعطاها تركيبة من الأعشاب البحرية تساعد في شفاء الرجال من ضعف الخصوبة، وكان الأمر مفاجأة سارة لكل الأمريكيين بعد نجاح تومسون ومارية في استخراج ترياق يعيد للرجال خصوبتهم الضائعة.

ثم قررت الحكومة الأمريكية إنتاج العقار الجديد، وحاول الروس سرقة التركيبة الأمريكية الجديدة. ومرت الأيام سريعًا لتواجه الإدارة الأمريكية مشكلة عالمية جديدة، إذ طالبت بعض القوى الدولية بإشراف الأمم المتحدة على إنتاج العقار الجديد، وهو ما رفضته واشنطن.

بلغ دواء تومسون قوة الديناميت ليعادل انفجار المسيسبي الذي أذل رجال العالم وأضعفهم، وعادت خصوبة الرجال مرة أخرى، غير أن المفاجأة غير السارة هي أن العقار الجديد لم يفلح مع “هومر آدم”، بعد أن ظهر أن عقمه أبدي، ولا أمل له في علاج، ذلك لأنه أمعن في تعريض نفسه للأشعاع بما لا ينفع معه دواء الطبيب تومسون، ومع ذلك لم يبد “هومر” مباليًا بما أصابه، بل كان سعيدًا بحاله.

مرت الأيام سريعًا، وولدت مارج توأمين، ليشعر ستيف وزوجته بمشاعر جديدة لم يشعرا بها من قبل.. “هكذا جئنا إلى الوجود وتلك سنة الحياة، وهكذا بدأنا”؛ لتُختتم قصة “السيد آدم” بحلوها ومرها، ما بين بداية حزينة، ونهاية سعيدة، بداية كان بطلها عقم الرجال، لتأتي النهاية بولادة جديدة، وهكذا أشرق الأمل من ظلمة الليل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى