مقالات

الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها المستقبلية

بقلم إميل أمين

-ستة أشهر انقضت منذ دخول القوات الروسية أوكرانيا، ولا يعلم أحد إلى متى ستظل المعارك دائرة، حيث لا ضوء في الأفق يشير إلى قرب نهاية الأزمة، بل على العكس، المزيد من المخاوف، لجهة اتساع نطاقها الجغرافي، ووقودها الديمغرافي من البشر.

قبل بضعة أيام كان القيصر الروسي فلاديمير بوتين يعلن عن زيادة عدد قواته المسلحة إلى ما فوق 2 مليون جندي بقليل، وهو الأمر الذي يعني رؤية مستقبلية لامتداد العمليات العسكرية على الأرض، وربما توسع رقعة القتال الجغرافية لتشمل ما هو أبعد من أوكرانيا.

في هذه الأثناء يبقى التساؤل المثير للجدل: “هل روسيا جان أم مجني عليه”؟ هناك تيار يرى أن ساكن الكرملين رأى من بعيد، كزرقاء اليمامة، مخططات الناتو، والسعي الحثيث للتقدم إلى الشرق، وبذلك يضحى تهديدا مجاورا لروسيا الاتحادية، ومن هنا هيأ بلاده، وأعد جيشه، ورتب أوراقه الاقتصادية، على القيام بحربه الخاطفة ضد أوكرانيا، وقال البعض كذلك، كالمستشار الألماني أولاف شولتز مؤخرا، ان بوتين كان يجهز لاحتلال كل أوكرانيا خلال بضعة أيام. فريق آخر يرى أن بوتين حاكم شمولي له أطماع استعمارية في دول الجوار، وأن مخططاته كانت ولا تزال تسعى في طريق السيطرة على مزيد من أراضي دول أوروبا الشرقية.

والشاهد أنه مهما يكن من أمر الخيارات السابقة، فإن النتيجة المؤكدة حتى الساعة، هي أن الكيان الأوراسي، ذاك الذي حلم به الزعيم الفرنسي الكبير شارل ديجول، قد ذهب أدراج الرياح، وعوضا عن التعاون بين أوروبا وروسيا، ها هي العلاقات تسوء إلى أقصى حد ومد، ومن غير مقدرة على قراءة قادم الأيام.
المشهد الأوروبي في واقع الحال، هو أول وأكبر ضحية للحرب الروسية – الأوكرانية، وعلى غير المصدق أن يتطلع إلى أحوال أوروبا في أشهر الشتاء القادم، وفي غياب ونقص واضحين للغاز الروسي، ذاك الذي أغلق القيصر صنابيره عمدا في مواجهة الجيران الأوروبيين، عقابا لهم على الانجرار وراء السياسات الأميركية، وخصوصا إشكالية العقوبات على موسكو.

ولعله من المثير أن روسيا والعهدة هنا على صحيفة الغارديان البريطانية، تبدو أقوى من أي وقت مضى، وكأن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، قد جاءت برد فعل عكسي، وهذا ما أشار إليه الصحافي البريطاني سايمون جنكيز. تتمثل تداعيات العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، في أسعار الطاقة العالمية التي ترتفع بشدة، والتضخم الآخذ في الارتفاع، وسلاسل التوريد التي أصبحت فوضوية، عطفا على أن الملايين محرومون من الغاز والحبوب والأسمدة.
أما القيصر فيبدو المستفيد الوحيد، فقد ارتفعت صادرات روسيا من الطاقة إلى آسيا، ما حقق فائضا غير مسبوق في ميزان مدفوعاتها، وبات الروبل حاليا من أقوى العملات في العالم، بعد أن تضاعفت قوته بنسبة 50 % تقريبا.

أظهرت الأزمة قصورا في التفكير الأميركي، فلا تزال واشنطن تراهن على القوة الخشنة في التعاطي مع روسيا، وتعمل على تزويد الأوكرانيين بأسلحة متقدمة، ومن غير الأخذ في الاعتبار أوضاع ميزان الانتباه العسكري، أي ما يمكن لروسيا أن تصيب به أوروبا وأميركا حال عمدت إلى استخدام أسلحتها الفتاكة العصرانية لاسيما الصواريخ الفرط صوتية.

بعد إعلان جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نهار الجمعة الفائت عزم البلاد رفع أسعار الفائدة من جديد، بدا واضحا أن العالم يكاد يكون مقبلا على حرب عالمية للخلاص من أزماته الاقتصادية.. هل هذا هو السيناريو القادم؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى