تبعات توجيه لائحة الاتهام لترامب ومصيره كمرشح في الانتخابات الرئاسية 2024
تحليل د. فرناز عطية – وسط زخم تشهده الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما مع بدء المرشحين المحتملين الاستعداد لدخول مضمار المنافسة الخاص بالانتخابات الرئاسية لعام 2024 للفوز بالمنصب الرئاسي والوصول للبيت الأبيض سواءً الجمهوريين: كالرئيس السابق “دونالد ترامب”، ” رون ديسانتس” – حاكم فلوريدا، ” جريج أبوت” -حاكم ولاية تكساس، الممثلة ” ليز تشيني”- النائبة الجمهورية الأمريكية، ومايك بنس نائب الرئيس الجمهوري السابق، أو الديمقراطيين، فهم: الرئيس الحالي ” جو بايدن”، “كامالا هاريس” – نائبة الرئيس الأمريكي الحالي، و ” جافين نيوسوم” – حاكم ولاية كاليفورنيا، قوبل الرئيس السابق “دونالد ترامب” بسيل من الاتهامات، حتى أن تاجر السلاح الروسي “فيكتور بوت” المعروف بـ”تاجر الموت” وجه دعوة له للجوء لروسيا.
ويذكر أنه من المتوقع أن تؤثر نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي أجريت بعد عامين من ولاية الرئيس “بايدن” 8 نوفمبر 2022، على مسار هذه الاتهامات والسباق الانتخابي القادم ككل، والتي أسفرت بدورها عن سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب وهو الغرفة الأدنى للكونجرس مقابل نجاح الديمقراطيون في بسط سيطرتهم على الغرفة العليا للكونجرس وهي مجلس الشيوخ.
حزمة من الاتهامات:
- حملت تقارير سرية صادرة عن إدارة “بايدن” أوائل إبريل الحالي مسؤولية الانسحاب الفوضوي من أفغانستان 2021 للرئيس السابق ” ترامب”، ومأساة “آبي غيت” في مطار كابول أثناء الإجلاء الذي قُتل فيه 13 جنديًا أمريكيًا؛ فقد وصف ملخص التقارير أن الوضع ازداد صعوبة بسبب قرارات الأخير عندما كان على رأس السلطة، بما في ذلك الدخول في اتفاق مع طالبان يتطلب انسحاب القوات الأمريكية بحلول مايو من عام 2021، مما شكل قيدًا على قرارات الرئيس الحالي، ولكن الاتهام لم يلق قبولاً لدى أعضاء الكونجرس من الجمهوريين.
- وجهت 34 تهمة جنائية له بولاية نيويورك لتزويره سجلات تجارية فيما يتعلق بمزاعم دفعه أموال فيما عرف بـ” قضية الصمت” لشراء صمت 3 أشخاص في قضايا مخزية له قبيل الانتخابات الأمريكية الرئاسية 2016، من بينهم الممثلة الإباحية “ستورمي دانيالز”، والتي حصلت على مبلغ 130 ألف دولارًا مقابل عدم الكشف عن علاقة جنسية بينها وبينه، والعارضة ” كارين مجدوجال” التي قبضت 150 ألف دولارًا لتتكتم على علاقة عاطفية سرية جمعتها به، وكذا بوابًا في برج ” ترامب” ادعى أن بحوزته معلومات عن ابن سري للملياردير والرئيس السابق قبض مبلغ 30 ألف دولارًا لالتزام الصمت.
- بالإضافة إلى التحقيقات الجنائية التي يواجهها في جورجيا لمحاولته تغيير نتيجة الانتخابات التي خسرها في هذه الولاية.
- وجهت له في واشنطن اتهامات جنائية لمحاولته تغيير نتيجة انتخابات 2020 وإساءة التعامل مع المستندات السرية.
وهنا يتهمه ادعاء مدينة مانهاتن بنيويورك بمحاولة إخفاء انتهاك لقوانين “التمويل الانتخابي” خلال حملته 2016، حيث اعتبره المدعي العام “ألفين براغ” في نيويورك أنه تبرع خفي في إطار الحملة الانتخابية يندرج تحت مسمى “الرشاوى الانتخابية”، والذي كان يضر بمرشحي الرئاسة المتنافسين وقتذاك، وبذلك يعد “ترامب” أول رئيس أمريكي على الإطلاق يواجه اتهامات جنائية خلال شغله للمنصب وبعد مغادرته للسلطة.
مواقف متباينة :
سمحت هذه السابقة التاريخية بالنسبة لرئيس أمريكي بإلقاء الضوء على الانشقاقات الحزبية الأمريكية، حيث وصف الجمهوريون الاتهامات الموجهة لـ”ترامب” بأنها (اضطهاد سياسي) ، بما في ذلك خصمه المرشح “الجمهوري “رون ديسانتس” حاكم فلوريدا، وتعزز الانقسام بين الأمريكيين، وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة “You Gov أن 52% من مؤيدي الحزب الجمهوري يمكن أن يصوتوا لصالح ترامب، يليه ” ديسانتس” بنسبة 21%، وأخيرًا نسبة 5% لدعم ” نيكي هايلي” الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولينا، كما دعا ” ترامب” الجمهوريين في الكونجرس إلى وقف تمويل وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي؛ لأن الديموقراطيين أساءوا استخدام القوانين والسلطة للتدخل في الانتخابات، كما وصف ” كيفن مكارثي” المتحدث باسم مجلس النواب أن الاتهامات مسيسة واتهم “براغ” بتطويع القانون الفيدرالي للتأثير على العملية الديمقراطية مستخدمًا الأموال الفيدرالية نظرًا لافتقار أعضاء الكونجرس ممثلي الشعب إلى الولاية القضائية للتحقيق في هذه الاتهامات، وهدد بمحاسبة “براغ” من قبل الكونجرس.
وقد أدى ذلك على عكس المتوقع إلى ارتفاع شعبية ” ترامب” مقارنة بمنافسيه من الجمهوريين، كما أعلن مسئولي مكتبه عن ارتفاع نسبة التبرعات المالية لحملته الانتخابية، والتي بلغت 4 ملايين دولارًا في غضون 24 ساعة عقب تصويت هيئة المحلفين على لائحة الاتهام، وكذا عودته إلى صادرة المشهد الإعلامي مما يؤدي لزيادة الدعاية الانتخابية له والتعاطف معه.
أما الديموقراطيون أكدوا بأنه لا أحد فوق القانون، ولابد أن يمثل ” ترامب” أمام القضاء بشأن الاتهامات المنسوبة إليه، ويذكر أنهم هم من اعترضوا في مجلس النواب بالكونجرس عام 1998 على محاكمة الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون” في جريمته الأخلاقية مما مكنه وقتها من استكمال فترة رئاسته بشكل عادي، وبالنسبة للرئيس “بايدن” فقد آثر الصمت فيما يخص الاتهامات المنسوبة لترامب، وذكرت “كارين جان” – المتحدثة باسم البيت الأبيض أن مثول ” ترامب” أمام المحكمة “ليس أولوية” لدى الرئيس “جو بايدن.”
مصير ” ترامب” كمرشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟
دفع الرئيس “ترامب” 4 /4/2023 ببراءته من كل التّهم الجنائية الموجهة إليه، وذلك بعد مثوله أمام محكمة في نيويورك، وغادر مقر المحكمة الجنائية في مانهاتن بنيويورك بعد انتهاء الجلسة، من دون أن تفرض عليه أي شروط أو مراقبة قضائية، لكن المثير في الأمر أن الدستور الأمريكي لا يمنعه من الترشح للانتخابات القادمة وخوض حملته الانتخابية من السجن، بل ويمكن حال فوزه أن يحكم من وراء القضبان، فدستور الولايات المتحدة لا يمنع المجرمين المدانين من متابعة أو شغل مناصب منتخبة، بما في ذلك الرئاسة، ويحدد الدستور شروطًا حصرية تتضمن 3 مؤهلات للرئيس تنطبق جميعها عليه كمرشح للرئاسة؛ هي: 1- ألا يقل عمره عن 35 سنة، 2- وأن يكون أمريكيًا عند مولده، 3- وأن يكون مقيمًا 14 عامًا داخل الأراضي الأمريكية، وقد رفضت المحاكم الأمريكية سلفًا فرض أية شروط إضافية خارج المنصوص عليها في الدستور.
وبالنظر إلى أن التعديل الدستوري رقم 14 مكّن الكونجرس من تمرير القوانين التي تمنع الأفراد الذين شاركوا في تمرد ضد البلاد من شغل مناصب، لكن يرى البعض أن هناك مجالاً لترامب لتجاوز هذا التعديل بالتعاون مع مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية، ومن زاوية أخرى فهناك حالات مشابهة لحالة ترامب تاريخيًا في الولايات المتحدة، وهي حالة “ريك بيري” – الحاكم السابق لولاية تكساس الذى خاض سباق الانتخابات التمهيدية الرئاسية داخل الحزب الجمهوري عام 2016، في وقت كان يواجه فيه اتهامات بإساءة استخدام السلطة، لكن تم رفض التهم بعد أشهر من انسحابه من السباق الرئاسي، و”يوجين دبس” أيضًا مرشح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية 1920، والذي خاض الانتخابات بينما كان في السجن.
وجدير بالذكر أن وزارة العدل الأمريكية أكدت منذ عهد إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بأن توجيه الاتهام إلى رئيس أثناء توليه منصبه “غير دستوري” لأنه يتعارض مع قدرته على أداء واجباته كرئيس للسلطة التنفيذية، ناهيك عن أنه لا يوجد حكم نهائي من المحكمة العليا الأمريكية بشأن تلك المسألة لأنها قضية لم يتم إثارتها من قبل في التاريخ الأمريكي وهذا ما يرجح يدفع به “ترامب” حال فوزه بالانتخابات وإدانته في القضية.
وفي هذا الشأن ذكر تقرير جريدة (نيويورك تايمز) أن المحكمة العليا سمحت في عام 1997 برفع دعوى قضائية فيدرالية ضد الرئيس الأمريكي “بيل كلينتون” أثناء توليه منصبه، لكنها كانت قضية مدنية وليست جنائية، وكانت على المستوى الفيدرالي، وليس محاكم الولاية، على عكس ما يحدث مع ” ترامب”.
ورسمت “نيويورك تايمز” سيناريوهين بشأن مصير ترامب حال إدانته وسجنه وإعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة ، وهما: - السيناريو الأول: يتمثل في تقدم ترامب بـ”طعن دستوري” وحصوله على حكم من محكمة فيدرالية بالإفراج عنه من سجن ولاية نيويورك.
- السيناريو الثاني: فيفترض أن يتم عزله على الفور من منصبه الرئاسي، بموجب التعديل الـ25 للدستور باعتباره “غير قادر على أداء صلاحيات وواجبات منصبه”.
وإجمالاً.. فإن المشهد يفضح الانقسام الحاد الحادث في المجتمع الأمريكي، ليس فقط بين الديمقراطيين والجمهوريين ولكن الوضع يكشف عن انقسام أكبر داخل المجتمع الأمريكي ينذر بمخاطر واختلالات أمنية مستقبلية، لاسيما مع تهديدات “ترامب” وأنصاره باللجوء للعنف، خاصة وأن لهم سوابق في ذلك وهو ما تؤكده حادثة اعتدائهم على الكابيتول؛ مما يجعل أمن البلاد والمجتمع الأمريكي على المحك في المرحلة القادمة.